أسباب العلم عند أهل السنة
في محاضرته الأولى للأئمة بمسجد الإمام البخاري بمدينة أوش قال فضيلة الشيخ أحمد الشريف:إن أهل السنة والجماعة الماتريدية رضي الله عنهم قالوا: (قال أهل الحق: حقائق الأشياء ثابتة، والعلم بها متحقق، خلافا للسوفسطائية، وأسباب العلم للخلق ثلاثة: 1- الحس، 2- الخبر الصادق، 3- العقل).
وبهذا وضح أئمتنا رضي الله عنهم أصول نظرية المعرفة عند أهل السنة والجماعة، ورسموا لنا الطريق المستقيم للوصول للحقائق الغيبية والكونية.ثم نبتت في الأمة فرقتين منحرفتين عن هذا المنهج الرشيد:
الفرقة الأولى الوهابية: حيث جعلوا الأصل في أسباب العلم هو الحس، فكل ما وافق الحس أثبتوه، وكل ما خالف القوانين الحسية أنكروه، وطعنوا في الدليل العقلي، وانحرفوا في قواعد فهم الدليل السمعي من الخبر الصادق.ونرى ذلك بجلاء الشمس في رابعة النهار عند ابن القيم في كتابه “الصواعق المرسلة” حيث جعل الكتاب مقسما إلى ثلاثة أقسام وسمى كل قسم طاغوتا، وجعل الطاغوت الأول هو العقل، والثاني المجاز، والثالث التأويل.فهو في طعنه في العقل قد أنكر أحد أهم أسباب العلم للخلق بوضوح.وأما طعنه في مسلمة المجاز في اللغة العربية، وفي التأويل الذي هو القواعد الموصلة لإدراك المعاني المرادة في اللغة العربية؛ يكون بذلك قد أنكر الدليل الخبري كسبب للعلم من خلال الطعن في وسائلنا الشرعية للوصول للمعنى المنزل في الخبر الصادق على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
الفرقة الثانية الرافضة: وهؤلاء جعلوا الأصل في أسباب العلم العقل وحده، ثم تركوا هذا العقل تائها وحده بلا هدى من الخبر الصادق، والحس.
فنراهم قد طعنوا في الخبر الصادق حيث ادعوا عدم اكتمال القرآن، وردوا جل السنة النبوية المطهرة فلا يقبلون السنة إلا من خلال رواية المعصومين على زعمهم.وأخضعوا مدركات الحس لأوهامهم وأساطيرهم التي ملأوا بها كتبهم وعقول أتباعهم، والتي لا يصدقها ذو حس سليم.
وينبغي علينا في بحثنا عن الحقائق الاعتقادية أن نتمسك بأسباب العلم الثلاثة كل في مجاله ومداه، فكما أن الطائرة تطير في الهواء، والسيفنة تبحر في الماء، والعربة تسير في الصحراء؛ فكذلك فإن الحس يعمل في مجاله فيدرك الحقائق الكونية ويصل من خلالها إلى وجود الخالق الواحد المنزه العليم القدير الحكيم من خلال تسليم مدركاته لدليل العقل، وللعقل كذلك مجاله من النظر في الأمور العقلية والوصول إلى الحقائق الواجبة للمقام الإلهي، ثم يسلم العقل في الغيبيات للخبر الصادق وللخبر مجاله كذلك.