الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أحمد الشريف

مقالات

بدعة تحريم المذاهب

إن الذين يحرمون اتباع المذاهب الفقهية ويريدون هدمها بزعم أن المذاهب: اتباعٌ لأشخاص أسسوا تلك المذاهب، وتركٌ لمتابعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وبالتالي فإن المذاهب ترك لتوحيد المتابعة ونوع من الشرك؛ ما هم إلا جهلة بعلم الفقه وتاريخه ومراحل تطوره.فإن المذاهب الفقهية المتبعة بمجموعها هي فقه سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي ورثه الصحابة رضي الله عنهم ونقلوه إلى التابعين، والتابعون إلى تابعيهم، وهكذا بالسند المتصل من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلينا. فكل إمام من هؤلاء الأئمة المجتهدين الذين أسسوا تلك المذاهب المعتمدة المتبعة قد دوَّن فقه الصحابة الذين كانوا في المصر الذي تلقى فيه العلم.

فأبو حنيفة رضي الله عنه على سبيل المثال -وهو أحد التابعين بالإجماع- قد ورث فقه الصحابة الذين نزلوا بالعراق ودونه وشيد صرحه بأن تلقَّى مسائلهم وضمنها مذهبه الفقهي، وسبر قواعدعم في الاستنباط وجعلها أساسا أقام عليه صرح اجتهاداته فيما لم يجد فيه حكما عن أحد هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم. ولذلك فإننا نجد المذهب الحنفي لا يكاد يخرج عن فقه سيدنا عبد الله بن مسعود، وفقه سيدنا علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه ورضي الله عنهما وأرضاهما إلا قليلا، وهما الإمامان المجتهدان من الصحابة الذين استقر مذهبهما بالعراق بلد الإمام الأعظم رضي الله عنه، وعنهما ورث أصول مذهبه الفقهي.

وكذلك نجد أن الإمام مالكا قد ورث فقه الصحابة المدنيين وعلمهم ودوَّنه، وتبعهم في الفروع، وأسس أصول مذهبه وفقهه على ما استنبطه من أصولهم، ولذلك نجد أن المذهب المالكي اعتمد عمل أهل المدينة من الصحابة والتابعين كأحد الأدلة الإجمالية والأصول التشريعية، ولا يكاد يخالف المذهب المالكي آراء أئمة الصحابة المجتهدين المدنيين إلا قليلا.وهكذا سائر الأئمة الأربعة. فادعاء أن هذه المذاهب تخالف متابعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأصحابه، والسلف؛ ما هو إلا محض جهل وجهالة.

فإن هذه المذاهب بفروعها وما فيها من روايات وأقوال عن أئمة المذاهب الأربعة، وما فيها من اجتهادات لأصحاب الأئمة والمجتهدين في مذاهبهم وترجيحاتهم وتخريجاتهم؛ لا تترك شاردة ولا واردة من فقه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما كان عليه أصحابه والتابعون إلا واشتملت عليه ودوَّنته وشرحته واختارت منه. ولذلك صدقت مقولة شيخنا رضي الله عنه: “القرآن قد وصل إلينا بالتواتر. والسنة قد وصلت إلينا بالأسانيد.

والفقه قد وصل إلينا بالمذاهب” أهـ. فكما أنه لا قرآن بلا تواتر القراءات والروايات، وكما أنه لا سنة بلا أسنايد وحفظ وتدوين وجرح وتعديل؛ فكذلك لا فقه بلا مذاهب تحفظه وتتحمَّلُه وتُدوِّنُه وتشرحه وتستنبط أصوله وتبني عليه فروعه. فالمذاهب الأربعة بمجموعها هي فقه سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه والسلف الصالح من أئمة الاجتهاد، والذين يسعون بالفساد في الأرض لهدمها هم أهل “فقه البدعة” الذين قطعوا حبل اتصالنا بـ”فقه السنة” الحقيقي الموروث بالسند المتصل عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعن السلف الصالح.

والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى