رحلة بحث عن حاخام ابن تيمية والوهابية
خرجت منذ أشهر باحثا عن معبد وقبر موسى بن ميمون الفيلسوف اليهودي الشهير الواقع بحارة اليهود حتى وجدته بعد الدوران في الحارات والأزقة، ثم أخبرني الموظف في المعبد بأن تذكرة الدخول يحصل عليها من مسجد قلاوون لأعود أدراجي تائها في الحارات لأجد نفسي في الخرنفش ثم إلى قلاوون لأخذ التذكرة، ثم سرت في تيه جديد من مسجد قلاوون حتى رجعت بالتذكرة للمعبد مرة أخرى، وكأن الله كتب التيه على اليهود وعلى من يبحث عن آثارهم.وموسى بن ميمون أحد كبار الحاخامات في تاريخ اليهودية، حتى لقب بموسى الثاني وله كتابه الشهير “مشناه توراة” في الشريعة اليهودية، وهو كذلك أحد كبار الفلاسفة والأطباء في زمانه، تتلمذ على فلاسفة الإسلام في عصره، وعكف على كتب ابن رشد ثلاثة عشر عاما كما أخبر عن ذلك بنفسه، وله كتابه الشهير في الفلسفة: دلالة الحائرين.استوطن مصر في آخر زمن الفاطميين وصار طبيب الخلفاء، ثم صار وزيرا للطب في زمن صلاح الدين الأيوبي رضي الله عنه، وتوفي سنة ٦٠٣ هـ بالقاهرة ودفن في مدرسته التي كان يعلم فيها تلامذته ويطبب فيها الناس. أما كتابه الشهير في الفلسفة “دلالة الحائرين” ، فقد تأثر فيه بالفلسفة الإسلامية تأثرا شديدا حتى وضع مبادئ العقيدة اليهودية الثلاثة عشر عنده محاولا قدر استطاعته العدول باليهودية عن التجسيم والتشبيه إلى التنزيه الذي بنيت عليه العقائد الإسلامية، ورغم ذلك لم يسلم من الوقوع في التجسيم، حيث ذهب إلى القول بالقدر المخصوص للواجب مثبتا لله بذلك سبحانه وتعالى طولا مخصوصا وعرضا مخصوصا إلخ -حاشاه سبحانه وتعالى علوا كبيرا- وغير ذلك مما ترسب لدية من تجسيم اليهودية.ولما كان أصل فرقة الحشوية المشبهة في المسلمين يرجع إلى المقولات اليهودية وتسرب تلك المقولات والأفكار من خلال الإسرائيليات، ورواتها في أوساط: القصاص، والوعاظ، والرواة في المراحل التاريخية المختلفة.
ولما كان ابن تيمية مدركا لتلك الحقائق، فقد علم ابن تيمية أن أصول فكرته في التشبيه تتحد مع مبادئ اليهودية فما كان منه إلا أن عكف على كتب الفلسفة التي كتبها فلاسفة اليهود بالعربية كابن ميمون اليهودي في كتابه دلالة الحائرين، وابن ملكا اليهودي في كتابه المعتبر، حيث نشأ هذان الفيلسوفان وغيرهما في كنف الحضارة الإسلامية التي تتلمذوا على فلاسفتها الكبار تلقيا، أو قراءة ودراسة: ككتب كالفرابي، وابن سينا، وابن رشد وغيرهم، وحاول فلاسفة اليهود أولئك قدر استطاعتهم طمس آثار التجسيم والتشبيه في اليهودية بقشرة رقيقة من التنزيه الذي هو أصل العقيدة الإسلامية، ورغم فشلهم في ذلك إلا أن ابن تيمية وجد في ذلك فرصة سانحة باستعمال تلك المقولات في تقوية انحرافاته.
فأخذ ابن تيمية ينقل من فلاسفة اليهود أقوالهم التي فلسفوا فيها عقائد التجسيم اليهودية لتتناسب مع البيئة الإسلامية، وأخذ يحور تلك المقولات محاولا إمرارها في البيئة الإسلامية دون جدوى، حتى إننا نجده في كتابه “درء تعارض العقل والنقل” ينقل عن ابن ملكا اليهودي من كتابه المعتبر الصفحة والصفحتين نقلا مباشرا، ونجده يأخذ مقولة القدر المخصوص للواجب من ابن ميمون هكذا بلا حياء !.فدفعني كل ذلك لزيارة قبر ابن ميمون ومعبده، لأكتشف أن رفاته قد نقل خلسة إلى طبرية بفلسطين، وأن معبده وقبره ومدرسته تعاني من المياه الجوفية، وأن حجرته التي درس، وطبب بها، وفيها دفن: لا زالت موجودة وتحت الترميم
.