في ذكرى مرور عام على وفاة الشيخ أحمد طه ريان
في ذكرى مرور عام على انتقال شيخنا الجليل شيخ المالكية، وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف الأستاذ الدكتور: أحمد طه الريان رضي الله عنه:شرفني الله تعالى بالتلقي عن الشيخ الجليل بكلية الشريعة الإسلامية وفق المنهج المقرر حينها بالكلية، فإذا بما يدرسه لنا شيخنا الجليل وقد زادني عطشا لأنهل من فيض معين علمه، فاستأذنت منه من خلال أخ لنا في الله فكنا نذهب إليه أنا وذلك الأخ المبارك في مكتبه بالكلية للقراءة عليه، ولم يرو ذلك أيضا ظمئي فكنت أحضر درس شيخنا رضي الله عنه بزاويته المباركة ببيته في حي المطرية.كان الشيخ رضي الله عنه في سمته وصوته وخلقه وورعه وعلمه وكرمه شبيه الإمام مالك رضي الله عنه، كنت ترى فيه سمت وزهد وورع السلف الصالح متجسدا في صورته الشريفة.
كان الشيخ رضي الله عنه مالكيا أشعريا خلوتيا، وهو امتداد للمدرسة المالكية التقليدية بالأزهر الشريف، وإن شئت فسمها مدرسة الشيخ عليش رحمه الله مع خروج أحيانا عن بعض قواعد تلك المدرسة فيما يتعلق بالفقه تحديدا تأثرا بمنهج الفقه المقارن المستحدث في كلية الشريعة بالأزهر الشريف.خدم شيخنا رضي الله عنه المذهب المالكي في سنين عطائه أجل خدمة، تحقيقا وتصنيفا وتدريسا، ولم يكتف الشيخ بخدمة ما تركه لنا الأسلاف الأماجد، بل شمر عن ساعد الجد ليكمل مسيرة السابقين من أعلام المالكية وعلماء المذاهب الأربعة في الأزهر الشريف، فنهض مع إخوانه من كبار علماء كلية الشريعة حينها كشيخنا الأستاذ الدكتور محمد رأفت عثمان رحمه الله، وشيخنا الأستاذ الدكتور نصر فريد واصل حفظه الله، وغيرهما من علماء كلية الشريعة من خلال المجامع الفقهية المختلفة فتصدوا للنوازل المستحدثة من القضايا الفقهية المعاصرة، فما تركوا شيئا تحتاج إليه الأمة، ولا شاردة ولا واردة من النوازل في العبادات والمعاملات والمناكحات والتركات إلا وقد بينوا للناس حكم الشرع فيها، وفق منهج رشيد سديد في الاجتهاد، بني على الاختيار الفقهي، بما يحفظ على الناس تمسكهم بشريعتهم ودينهم، ولا يوقعهم في حرج ولا مشقة.
وكانت أبحاث شيخنا رضي الله عنه في القضايا الفقهية المعاصرة مقررة علينا في كلية الشريعة، وكنت أستفيد إفادة جمة من أبحاثه ومشاركاته مع علماء كلية الشريعة الأكارم، ولا زلت أحتفظ بكل تلك المقررات في مكان متميز من مكتبتي، ولا زلت أرجع إليها لأكحل عيني بمطالعتها والاستفادة منها.ولم تكن الاستفادة من الشيخ رضي الله عنه مقصورة على الجماعة العلمية، وطلاب العلوم الشرعية في الأزهر الشريف، والجامعات التي ندب الشيخ للتدريس فيها في العالم العربي والإسلامي كالإمارات واليمن، بل كتب الله لشيخنا رحمه الله القبول العام عند جموع الشعب المصري، خاصة في فترة التسعينيات، حيث كان الشيخ حينها ملء السمع والبصر، فقد كانت إذاعة القرآن الكريم تشرف دوما باستضافة الشيخ في برامجها المختلفة، وكان الشيخ بصوته المتميز الهادئ الوقور، ولسانه الطلق الفصيح، يشرح للناس قضايا الشريعة الإسلامية المختلفة فكانت تصغى له الآذان، وتطمئن به القلوب، وتتنور لعلمه العقول، حتى أحبه الناس وصار الشيخ مرجعا عند عموم المصريين في تلقي أحكام الشريعة الإسلامية السمحة
على منهج الاعتدال السني بالأزهر الشريف، وصار جزءا من الحياة اليومية لمستمعي إذاعة القرآن الكريم التي لم يكن يخلو بيت من سماعها في ذلك الزمان ليلا ونهارا. وفي ذكرى مرور عام على انتقال شيخنا رضي الله عنه لا يسعني إلا أن أسأل الله العظيم أن يغفر له ويرحمه ويسكنه الفردوس الأعلى من الجنة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.وأسأل الله أن يبارك في أسرة وذرية الشيخ وأن يديم عليهم الفضل والخير كله ظاهره وباطنه، وأن يبارك في طلاب الشيخ وأحبابه أجمعين