تفسير قول الله تعالى (إنا أعطيناك الكوثر)
ألقى اليوم فضيلة الشيخ أحمد الشريف الحنفي الماتريدي الأزهري حفظه الله بيان خطبة الجمعة بمسجد العلامة أبي البيان المجددي رضي الله تعالى عنه وأرضاه بمدينة گجرانواله بإقليم البنجاب.حيث تكلم فضيلته عن تفسير قول الله تعالى (إنا أعطيناك الكوثر) فكان مما قال:(إن التفسير الأصح للكوثر ليس الحوض ولا النهر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، بل ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الكوثر هو الخير الكثير الذي يؤتيه الله لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم وهذا هو التأويل الأصح، وصحح هذا القول أكبار المفسرين كالإمام الزمخشري، والشيخ الجمل في حاشيته على الجلالين، وغيرهما من المفسرين رضي الله عنهم.وعلى هذا: فالقرآن من الكوثر، والسنة من الكوثر، وآل البيت من الكوثر، والصحابة الكرام من الكوثر، وبركات النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنواره ونعم الله عليه وعلى أمته من كوثره صلى الله عليه وآله وسلم، كما أن حوضه ونهره في الآخرة من الكوثر.ومن هنا قال شيخنا: إن كوثر النبي صلى الله عليه وآله وسلم هم آل بيته. أهـ، قلت: ويدلك على ذلك المقابلة في آخر السورة الكريمة حيث قال الله سبحانه وتعالى (إن شانئك هو الأبتر) ، فلم يعرف لعدو النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا اسم ولا نسب ولا ذرية باقية، بينما ذرية النبي صلى الله عليه وآله وسلم حملت ميراث النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الإسلام والإيمان والإحسان والولاية والصلاح والعلم وبقيت معروفة بالخير إلى يوم الناس هذا ، ومنهم كبار العلماء والأولياء إلى يوم الدين، وقد بلغ عدد آل البيت في زماننا هذا في أقطار المسكونة نحو ثلاثين مليونا، بينما شانئ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يدرى من عقبه.وهذا مصداق للحديث الصحيح المروري في كتب السنة: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي). أخرجه الترمذي وغيره بألفاظ متختلفة. وهذا الحديث من حيث الإسناد هو الأصح المخرج في الكتب الستة، بينما صح أيضا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله أيضا (كتاب الله وسنتي). بأسانيد أخر خارج الكتب الستة كالطبراني وغيره وهو دون الحديث الأول. والحديثان صحيحان يتمم بعضهما بعضا: فإن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يحملان لنا الأحكام الشرعية بطريق العلم الضروري والنظري، بينما عترة النبي الصالحة من العلماء والأولياء في كل زمان ومكان يحملون التطبيق العملي لأحكام الشريعة المنزلة في الوحيين الشريفين: الكتاب والسنة، كما كان جدهم صلى الله عليه وآله وسلم تطبيقا عمليا للقرآن الكريم فقد كان خلقه القرآن، وكان قرآنا يمشي على الأرض صلى الله عليه وآله وسلم ، وعترته من الصالحين والعلماء على ميراثه.ونجاة الأمة تكون بالتمسك بالكل: بالكتاب، والسنة، والعلماء والأولياء من أهل البيت، ومن غيرهم من أهل الإسلام رضي الله عنهم أجمعين.ولا يصح ولن يصح تمسكنا بهذا الشرع الحنيف الموروث كتابا وسنة وعترة إلا بمنهج راشد ووسط على حد الاعتدال لا غلو فيه ولا تفريط، وهو منهج أهل السنة والجماعة الذي ورثه كبار الأئمة: كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد رضي الله عنهم، والأشعري والماتريدي والطحاوي وسائر أئمة العقيدة رضي الله عنهم، وغيرهم من علماء أهل السنة والجماعة الكرام من شتى الأقطار رضي الله عنهم.وهو كذلك منهج الأخلاق والتربية والتزكية الذي ورثته الأمة بالسند عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من خلال سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وسيدنا ومولانا علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه، وغيرهما من الصحابة الكرام، والذي لخصه وشرحه وبينه الإمام الجنيد وغيره من أئمة التصوف رضوان الله عليهم كالإمام الغزالي والقشيري والجيلاني وبهاء الدين نقشبند والشاذلي وغيرهم رضي الله عنهم وأرضاهم.والتزكية في الإسلام مقيدة بالشريعة الإسلامية، فمنهج أهل السنة والجماعة لا يرى التفرقة بين الشريعة والحقيقة، ولا يرى رفع التكليف عن عاقل بالغ، بل هو مبني على التمسك التام بالشريعة المطهرة مصداقا لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (لازال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولإن سألني لأعطينه، ولإن استعاذني لأعيذنه). أخرجه البخاري.كما ثبت عن الإمام الجنيد رضي الله عنه : (طريقنا هذا مقيد بالكتاب والسنة، وهو بين الفكر والذكر). فأهل السنة والجماعة في تخلقهم وتزكيتهم يَتَمسَّكون ويُمَسِّكون الناس بالشريعة فلا يضيعون فريضة، ثم تراهم يكثرون من النوافل وصولا إلى التقوى والصلاح والصفاء والولاية، وكما تعلمنا من مشايخنا في الأزهر الشريف فالولي: (من توالت طاعاته ولم تتخللها معصية) ، وهذا هو الحال المطلوب من السالك في طريق الله سبحانه وتعالى عند أئمة التزكية رضي الله عنهم من أهل السنة والجماعة. فهذا منهجنا الذي نوصي به إخواننا الموحدين في كل مكان. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل). انتهى. من كلامه حفظه الله تعالى.