هل تشيَّع الشيخ محمد إبراهيم عبد الباعث الكتاني؟
شاع كلام كثير امتد لزمان ليس بالقصير في الساحة العلمية السُنِّية بمصر المحروسة حول فضيلة الشيخ الحافظ المحدث المفسر محمد إبراهيم عبد الباعث الكتاني ، والحقيقة أن الفقير إلى الله كان على اطلاع قديم منذ سنوات ببعض آراء ينسبها المحيطون بالشيخ إليه قبل أن تنتشر مسئلة تشيع الشيخ بين الناس على وسائل التواصل الاجتماعي مثيرة حالة من اللغط والانقسام في الحكم على الشيخ.
ولما كان ذلك وثارت تلك الفتنة خطبت في حينها خطبة في مسجد العشيرة المحمدية حول تلك القضية وبينت فيها الرأي المعتمد عند أهل السنة والجماعة في مسئلة صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم يوجوب احترام الجميع والسكوت عما شجر بينهم رضي الله عنهم وقلت إن فضل صحابي من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعدل أولياء الأمة إلى آخر الزمان، وقصدت ولا ريب الصحابة الأكارم الذين ثبتت صحبتهم وفضيلتها بشروطها عند أهل السنة والجماعة.
ومنذ ذلك الحين والفقير إلى الله يقول في كل دروسه الخاصة والعامة إذا ورد ذكر الشيخ محمد إبراهيم عبد الباعث مقررا لقاعدة ألزمت بها نفسي في التعامل مع علماء الأمة الكبار المعاصرين: “خذ ما صفا ودع ما كدر”.
فنأخذ من الشيخ التفسير والحديث والعلوم التي فتح الله عليه بها ولم نرها في أحد من أقرانه من أهل هذا الزمان ونترك قوله في مسئلة سيدنا معاوية رضي الله عنه ونحوها من المسائل، ونبقي احترامنا ومحبتنا لشيخنا حفظه الله.
وكثيرا ما قلت في دروسي لإخواننا طلاب العلم من مصر وخارجها ممن يتعرضون لعلمائنا المعاصرين الكبار بما لا يليق:
“لا تقطعوا رؤوسكم ثم تتباكوا على أنفسكم إذا ضعفتم وذبلتم وسقطتم”.
“زلة الكبار ممحوة في بحر حسنات كثار، لا نتابعهم على زلاتهم ولا نهدر علومهم وفضائلهم”.
وبعد هذه المقدمة المبينة لموقفي تحسبا لأهل الأسافين والشائعات ندخل في موضوع هذا المقال :
هل تشيع الشيخ محمد إبراهيم عبد الباعث الكتاني؟
وللجواب على السؤال لا بد أن نقرر أولا من هم الشيعة؟ وما هي العقائد الكبرى للشيعة التي خالفوا فيها المسلمين وانحرفوا بها عن الجادة؟ ثم هل وافقهم الشيخ محمد إبراهيم عبد الباعث على تلك العقائد أم خالفهم؟
فأقول: قسم الإمام الأشعري رضي الله عنه الشيعة إلى فرق كثيرة لكن أصولها ثلاثة فرق، هي الغلاة، والروافض، والزيدية. ثم إن كل فرقة من الثلاثة تشعبت عنها فرق كثيرة.
أ- فأما الغلاة فمنهم من ادعى نبوة سيدنا علي كرم الله وجهه ومنهم من ادعى ألوهيته،
ب- وأما الروافض فهم الذين رفضوا إمامة الخلفاء الثلاثة وقالوا بالنص على الإمامة ثم اختلفوا في تسلسل النص على الأئمة اختلافا كثيرا كبيرا، لكن عامتهم على الترتيب المشهور المعروف الآن بالإمامية الإثني عشرية،
ج- وأما الزيدية ما خلا الجارودية فعامتهم على إثبات إمامة الشيخين وعدم النص على الإمام واحترام الصحابة وأمهات المؤمنين.
وعلى كل حال فإن كلمة “الشيعة” إذا أطلقت في زماننا من غير قيد فإنها تنصرف إلى الإمامية، وهذه الفرقة الخارجة عن جماعة المسلمين سلفا وخلفا قد شكلت دينا موازيا على مستويين:
أولا: في المصادر.
وثانيا: في الأحكام الشرعية. ثم هم في أحكام الدين الشرعية قد خالفوا الأمة في ركنين: أولا: ركن العقائد، ثانيا: ركن الفقه.
فأما المصادر:
فإن الشيعة لا يتفقون مع الأمة في مصادر التلقي للشريعة وأحكامها، وكيف يتفقون وهم يدعون نقصان القرآن وتحريفه، وينكرون كل السنة التي حفظتها ونقلتها الأمة جيلا بعد جيل ويكفرون أئمة السنة ورواتها عبر العصور ابتداء بالصحابة وانتهاء بأئمة الحديث الكبار المدونين كالبخاري وغيره.
وأما الأحكام العقدية والفقهية :
فللشيعة عقائد خاصة مدونة ومحفوظة سطروها في كتبهم، وبينها علماء السنة كذلك في مصنفاتهم للرد على انحرافات الشيعة، كما أن لهذه الفرقة في جانب الفقه مذهبا فقهيا كاملا يعرف بالمذهب الجعفري دونوا فيه ما انفردوا به من آراء فقهية وخالفوا فيه سائر الأمة.
ولنعرض سريعا إلى أهم العقائد الشيعية والقضايا الفقهية التي خالفوا فيها ما عليه مذهب نفس الأئمة وسائر الأمة سلفا وخلفا .
فأما العقائد التي انحرفوا فيها فمن أشهرها:
- القول بعصمة الأئمة.
- القول بالرجعة.
- القول بالتقية.
- القول بالبداء.
- تكفير ولعن الشيخين وعثمان عليهم السلام ومعظم الصحابة رضي الله عنهم.
- رمي أم المؤمنين عائشة عليها السلام بالسوء، وتكفير بعض أمهات المؤمنين عليهن السلام.
- القول بتحريف القرآن ونقصانه.
وأما أشهر القضايا الفقهية التي خالفوا فيها الأمة فمنها:
- مسائل فرعية عديدة في الصلاة والصوم.
- إيجاب المسح على القدمين، وتحريم المسح على الخفين.
- الزكاة، والخمس.
- نكاح المتعة.
- الربا.
- أصول وفروع مهمة وكثيرة في باب المواريث حتى صارت المواريث عندهم شيئا آخر غير الذي تعرفه الأمة سلفا وخلفا، فهم ينكرون باب العول جملة وتفصيلا على سبيل المثال.
وبعد استعراض أشهر الانحرافات الشيعية عن مصادر التلقي، وفي أحكام الشريعة بجانبيها في العقيدة والفقه، وبمقارنة بسيطة بين ما ذكرنا وبين ما عليه الشيخ محمد إبراهيم عبد الباعث الكتاني حفظه الله يتضح لنا بجلاء أن الشيخ لا علاقة له بالتشيع.
فالشيخ يقرر مصادر المسلمين والأمة من أهل السنة والجماعة كما هي ثابتة عندنا جميعا معتمدا عليها في تلقي أحكام الشريعة من الكتاب والسنة ، والشيخ من كبار مفسري القرآن الكريم في هذا الزمن وقد فتح الله عليه فتوحا فريدا في تفسير القرآن الكريم، يعجب له كبار المتخصصين في علوم التفسير فضلا عن أمثالنا من طلاب العلم، والشيخ حافظ من كبار حفاظ السنة المتقنين رواية ودراية وكيف لا وقد حفظ صحيح البخاري متنا وسندا وهو صغير، وما سألته عن حديث إلا ووافاني بألفاظ متنه وبتخريجه ورواته ودرجته وعلله وما فيه من فوائد ونكات لغوية ونحوية وبلاغية وفقهية وغير ذلك.
والشيخ أشعري العقيدة في كل مسائل الإلهيات والنبويات.
والشيخ شافعي المذهب في الفقه بنسبة مائة في المائة.
فليت شعري كيف ينسب الشيخ إلى التشيع ؟؟
لكن الشيخ له مسئلة اقترب فيها من معتدلي الزيدية وهي المسئلة الوحيدة الخلافية بيننا وبينه، ألا وهي:
هل نترضى على من شهروا السيوف على سيدنا علي بن أبي طالب أم لا؟ وهل نلحقهم بالصحابة في الفضل والتعديل أم لا؟
وقد سألت الشيخ سؤالا مباشرا: هل تكفر سيدنا معاوية يا مولانا؟ فكان جوابه: أنا لا أكفر أحدا من عامة المسلمين فكيف أكفر معاوية أو غيره ممن معه؟
وأما باقي الصحابة رضوان الله عليهم كأبي بكر وعمر وسائر الصحابة فإن الشيخ موقر لهم يترضى عليهم وهو كما رأيت بعيني وسمعت بأذني مصدق بصديقية الصديق وفاروقية عمر الفاروق رضي الله عنهما فشتان بين هذا وبين من يلعنهما ويصفهما بالصنمين والجبت والطاغوت.
وبهذا يتضح أننا نخالف الشيخ حفظه الله في باب واحد مرده إلى موقفه المتحفظ تجاه سيدنا معاوية رضي الله عنه ومن معه، فالشيخ لا يثبت لهم ما لباقي الصحابة من فضائل ويرى فيهم رأيه الخاص الذي نخالفه فيه.
كما أن الشيخ يرى تقديم سيدنا علي في الأفضلية على الخلفاء الراشدين الثلاثة قبله رضي الله عنهم جميعا وهي مسئلة الخلاف فيها أهون من الأولى فقد قال بها بعض أهل السنة قديما وحديثا، وإن كنا أيضا لا نوافق الشيخ عليها ونرى أن أفضليتهم كترتبيهم في ولاية الخلافة كما قرره جمهور علماء أهل السنة والجماعة.
وبهذا نعلم أن بلادنا لا زالت والحمد لله عصية على اختراق الشيعة الرافضة الإمامية الإثني عشرية لها و أن بضاعتهم النافقة لا تجد لها سوقا في هذا البلد السني عن بكرة أبيه بلد الأزهر الشريف كعبة العلم وحصن أهل السنة والجماعة.
فلا الشيخ يقول بعصمة الأئمة، ولا برجعة إمام مختبئ في سرداب، ولا بتحريف القرآن ونقصانه، ولا بالبداء، ولا بلعن وسب الشيخين ، ولا يطعن في عائشة وأمهات المؤمنين، ولا يقول بلزوم مسح الرجلين، وتحريم المسح على الخفين، ولا يقول بالمتعة، ولا بالخمس، ولا بسائر شذوذاتهم الفقهية في الربا والمواريث وغير ذلك.
والشيخ لا يرد الكتاب ولا السنة ، وحافظ متقن للسنة من مصادرها الصحيحة من الكتب الستة وغيرها.
وهذا ما سمعته ورأيته من الشيخ بنفسي ، وهذه شهادة أسأل عنها في الدنيا والآخرة.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
أحمد الشريف